بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا
على الظالمين الطاعنين والمشككين في سنة سيد المرسلين والصلاة والسلام على المبعوث
رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فإن الصراع بين الحق والباطل قديمٌ
محتدم الأركان مشتعل البنيان منذ خلق الله آدم عليه السلام وأبى إبليس الرجيم له
السجود , فعلى مر العصور وتعاقب الأيام والسنين لا يزال من أهل الباطل أناس قد خرجوا
من عسكر إبليس اللعين يرفعون رايته ويعقد لهم لواءه ويقومون بخدمته والسعي في نصرة مذهبه يوحي إليهم زخرف القول غرورا ويمدهم بخيله ورجله ويؤزهم إلى الباطل من
الأقوال والأعمال والاعتقادات, جمعتهم أهواءهم عليه (أَفَرَأَيْتَ مَنِ
اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ
سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن
بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) غايتهم العظمى هدم الدين وتبديله من
شرع منزل إلى شرع مبدل مفصل على أهواءهم وأغراضهم وغاياتهم، سائرون في ركب كل ضلالة ومناصرون
لكل بدعة.
وأما الحق فله رجال يذودون عنه
وينصرونه ويكسرون شوكة الباطل ويكبتونه وكذلك "يدعون من ضلَّ إلى الهدى،
ويصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويبصِّرون بنور الله أهلَ
العمى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيَوْه، وكم من ضالًّ تائهٍ قد هدوه، فما أحسن
أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم! ينفون عن كتاب الله تحريفَ الغالين
وانتحالَ المبطلين وتأويلَ الجاهلين، الذين عقدوا ألويةَ البدعة، وأطلقوا عِقالَ
الفتنة، فهُم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متَّفقون على مخالفة الكتاب،
يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علمٍ، يتكلَّمون بالمتشابه من
الكلام، ويخدعون جُهَّالَ الناس بما يشبِّهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلِّين".
وفي
عصرنا هذا لا ينفك أنصار الباطل وأعوانه ،الطاعنون في الوحي، الخارجون عن سنة أفضل
الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الظهور بين الفترة والأخرى وخصوصاً مع
انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية ، فكلما كسر منهم قرن ظهر آخر ,
في سبيل الشيطان ماضون ،وفي طغيانهم يعمهون ،وفي ضلالهم يترددون ، يزين
لهم أهواءهم وينصب لهم راية الطعن في السنة والقدح في حديث المصطفى صلى الله عليه
وسلم بدعوى مخالفة النص للمعقول وبقياس فاسد معلول ورأي كاسد مبذول زاعمين : أن
العقل يأبى قبولها وتصديقها وأنها مشتملة على التناقض والاختلاف فيما بينها
فيضربون بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعضها ببعض غير مبالين بها وقصدهم بذلك ردها والتشكيك فيها واطراحها وعدم العمل بها ومعرضين عن القواعد والأصول العلمية
التي يتعامل بها أهل العلم في قبول الأحاديث أو ردها ،ولا هم مكترثون بكلام
أهل العلم والفقه، وجبال الحفظ ومشاعل الهدى الذين سعوا في جمعها وحفظها فأنفقوا
في ذلك الغالي والنفيس وبذلوا المهج والأعمار وأفنوا الأوقات وسهروا الليالي في
فهمها وتدبر معانيها والتأليف بين المختلف والمتعارض منها وإزالة الإشكال الواقع
في أذهان الناس عنها ، وإنما شفاء العي السؤال ، قال تعالى : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن
كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.
قال
ابن قتيبة رحمه الله : "فأما أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من وجهته وتتبعوه من مظانه
وتقربوا إلى الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلبهم
لآثاره وأخباره برا وبحرا وشرقا وغربا ، يرحل الواحد منهم راجلاً مقوياً في طلب
الخبر الواحد أو السنة الواحدة حتى يأخذها من الناقل لها مشافهة ، ثم لم يزالوا
في التنقير عن الأخبار والبحث لها حتى فهموا صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها
وعرفوا من خالفها من الفقهاء إلى الرأي فنبهوا على ذلك ، حتى نجم الحق بعد أن
كان عافيا وبسق بعد أن كان دارسا واجتمع بعد أن كان متفرقا ، وانقاد للسنن من كان
عنها معرضا وتنبه عليها من كان عنها غافلا ، وحكم بقول رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - بعد أن كان يحكم بقول فلان وفلان!! ، وإن كان فيه خلاف على رسول الله - صلى
الله عليه وسلم."
وقال
الإمام النووي: "وإنما يقوم بذلك غالباً الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه
والأصول المتمكنون في ذلك الغائصون في المعاني الدقيقة الرائضون أنفسهم في ذلك فمن
كان بهذه الصفة لم يشكل عليه شيءٌ من ذلك. "
وقال ابن الصلاح : "وإنما
يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه ، الغواصون على المعاني
الدقيقة."
والعلماء بحمد الله قد ألفوا الكتب التي تزيل الاشكال والتعارض
والتناقض عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يمكن أن يكون في كلام الله
ولا كلام رسوله تعارض ولا بين كلام الله وكلام رسوله تناقض لأن المصدر واحد "
إن هو إلا وحي يوحى." وإنما التعارض يكون في الأفهام والأذهان لأنها ليست بمعصومة وكتاب الله وسنة نبيه معصومان.
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : بل نقول قولاً عاماً كلياً إن النصوص الثابتة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعارضها قط صريح معقول ، فضلاً عن أن يكون
مقدماً عليها ، وإنما الذي يعارضها شبهٌ وخيالات ، مبناها على معان ٍ متشابهة
وألفاظ مجملة ، فمتى وقع الاستفسار والبيان ظهر أن ما عارضها شبه سوفسطائية لا
براهين عقلية.
قال
الإمام الشافعي: " لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أبداً حديثان
صحيحان متضادان ينفي أحدهما ما يثبته الآخر من غير جهة الخصوص
والعموم والإجمال والتفسير إلا على وجه النسخ وإن لم يجده " ، وقال الإمام ابن خزيمة : " لا أعرف
أنه روي عن رسول الله حديثان بإسنادين صحيحين متضادان ، فمن كان عنده فليأت به حتى
أؤلف بينهما.!!".
تعظيم سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وعدم معارضتها
بالقرآن أو بالعقل أو ضرب الامثال لها.
لقد تظافرت
الآيات والأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجوب تعظيم سنته
وتوقيرها ووجوب الإيمان بها والعمل بمقتضاها وتقديمها على كل شيء لأن هذا من مقتضى
الشهادة بأنه رسول الله وخاتم النبيين والمبلغ عن الله دينه ووحيه ومن مقتضى محبته
على النفس والولد والوالد والناس أجمعين فلا يُقدم على سنته عقل ولا وجد ولا
ذوق ولا منطق ولا رئاسة ولاغير ذلك ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ
ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
قال ابن سعدي
رحمه الله في تفسيره : هذا متضمن للأدب، مع الله تعالى، ومع رسول الله صلى الله
عليه وسلم، والتعظيم له ، واحترامه، وإكرامه، فأمر عباده المؤمنين، بما يقتضيه
الإيمان، بالله وبرسوله، من امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وأن يكونوا ماشين،
خلف أوامر الله، متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جميع أمورهم، ولا
يتقدموا بين يدي الله ورسوله، ولا يقولوا، حتى يقول، ولا يأمروا، حتى يأمر، فإن
هذا، حقيقة الأدب الواجب، مع الله ورسوله، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه ،وبفواته
تفوته السعادة الأبدية، والنعيم السرمدي، وفي هذا النهي [الشديد] عن تقديم قول
غير الرسول صلى الله عليه وسلم، على قوله، فإنه متى استبانت سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وجب اتباعها، وتقديمها على غيرها، كائنا ما كان.
وقال الله تعالى:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.
وقال تعالى: لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا.
وقال تعالى: أَلَمْ
يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ
جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ.
وقال تعالى: مَنْ
يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ.
وقال تعالى: وَإِنْ
تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ.
وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ.
وقول تعالى: وَمَن
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ
مَصِيرًا.
وقال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن
تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ.
قال ابن القيم
رحمه الله: فَإِذَا كَانَ رَفْعُ أَصْوَاتِهِمْ فَوْقَ صَوْتِهِ سَبَبًا
لِحُبُوطِ أَعْمَالِهِمْ, فَكَيْف تَقْدِيمُ آرَائِهِمْ وَعُقُولِهِمْ,
وَأَذْوَاقِهِمْ وَسِيَاسَاتِهِمْ وَمَعَارِفِهِمْ, عَلَى مَا جَاءَ بِهِ
وَرَفْعُهَا عَلَيْهِ؟, أَلَيْسَ هَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُحْبِطًا
لِأَعْمَالِهِمْ.؟
وعن العرباض
بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون
فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودِّع، فأوصنا.
قال: أوصيكم
بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى
اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا
عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه
وعن المقدام
بن معد يكرب رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَال: يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُل مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ
بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُول: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا
وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ
حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ ، أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُول اللَّهِ مِثْل مَا
حَرَّمَ اللَّهُ. رواه أحمد وأبو داود وغيرهم
وعن أنس بن
مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رغب عن سنتي
فليس مني. متفق عليه
قال أبو بكر
الصديق رضي الله عنه: «لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به، إلا عملت به، وإني لأخشى إن تركت
شيئًا من أمره أن أزيغ».
قال الامام ابن
بطة العكبري معلقا ًعلى هذا الأثر: هذا يا إخواني الصدِّيق الأكبر يتخوَّف على
نفسه من الزيغ إن هو خالف شيئًا من أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، فماذا عسى أن
يكون من زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وبأوامره، ويتباهون بمخالفته ويسخرون
بسنته؟! نسأل الله عصمة من الزلل، ونجاة من سوء العمل.
قال أبو هريرة
لرجل: يا ابن أخي إذا حدثتك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلا تضرب له
الأمثال. "سنن ابن
ماجه"
قال علي بن
أبي طالب: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا، فظنوا به الذي هو
أهناه وأهداه وأتقاه. " سنن ابن ماجه "
وعن عبد الله
بن مغفل رضي الله عنه : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال: «إنها لا تصطاد صيدًا، ولا تنكأ
عدوًا، ولكنها تفقًأ العين، وتكسر السن» .. فقال رجل لعبد الله بن مغفل: وما بأس
هذا؟ فقال: إني أحدِّثك عن رسول الله، وتقول هذا؟ والله لا أكلمك أبدًا. متفق عليه
قال الامام النووي
رحمه الله: فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السُّنة مع العلم، وأنه يجوز
هجرانه دائمًا، أمَّا النهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام فإنما هو فيمن هُجِر
لِحَظِّ نفسه ومعايش الدنيا. اهـ
وقال الحافظ ابن
حجر رحمه الله: وفي الحديث جواز هجران من خالف السُّنة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك
في النهي عن الهجر فوق ثلاث؛ فإنه يتعلَّق بِمَن هُجِر لِحَظِّ نفسه. اهـ
وعن سالم بن
عبد الله أنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم
إليها، فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهنّ.
فأقبل عليه
عبد الله فسبَّه سبًّا سيئًا ما سمعته سبَّه مثله قط، وقال: أُخبِرك عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن؟! "رواه مسلم"
قال الامام
النووي: فيه تعزير المعترض على السُّنة والمعارض لها برأيه. اهـ
قال الحافظ ابن
حجر: أُخِذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترِض على السُّنن برأيه. اهـ
وجاء رجل إلى
عمران بن حصين رضي الله عنه وكان جالسًا ومعه أصحابه يحدثهم بحديث رسول الله ،
فقال الرجل : ألا تحدثونا بالقرآن. فقال عمران له: أُدن، فدنا، فقال: أرأيت لو
وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعًا، وصلاة العصر
أربعًا، والمغرب ثلاثًا تقرأ في اثنتين؟ أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن،
أكنت تجد الطواف سبعًا، والطواف بالصفا والمروة كذلك؟ ثم قال: أي قوم خذوا عنا؛
فإنكم والله إن لا تفعلوا؛ لتضلن. " الإبانة
الكبرى 1/ 75"
ويروى عن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سيأتي ناسٌ يجادلونكم بشبه القرآن ، فخذوهم
بالسنن ؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله. "الشريعة للآجري"
وعن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن، أعيتهم
الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي فضلُّوا وأضلُّوا. " أصول الاعتقاد
للالكائي"
وقال عبد الله
بن مسعود رضي الله عنه : إنكم ستجدون
أقوامًا يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم،
وإياكم والتبدُّع، وإياكم والتنطُّع، وإياكم والتعمُّق، وعليكم بالعتيق. " سنن الدارمي"
وقال عمر بن
عبد العزيز رحمه الله: لا رأي لأحد مع سُنة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن سعيد بن
جبير رحمه الله أنه حدث يوماً بحديثٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجلٌ: في
كِتابِ الله ما يخالف هذا ، قال: ألا أُراني أُحدثك عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وتعرض فيه بكتاب الله ،كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بكتاب الله
منك.
وقال أيوب
السختياني الإمام رحمه الله: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وحدثنا من
القرآن فاعلم أنه ضال مضل.
وقال أبو قلابة
الامام رحمه الله: إذا حدَّثْتَ الرجلَ بالسنَّة، فقال: دعنا مِن هذا، وهات كتاب
الله: فاعلم أنَّه ضال.!!
قال الإمام
الذهبي معلقا على هذا الأثر: وإذا رأيتَ المتكلم المبتدعَ يقول : دعنا مِن الكتاب
، والأحاديث الآحاد ! وهات العقل ! فاعلم : أنه أبو جهل !!
" سير
أعلام النبلاء "
قال مالك بن
أنس: السُّنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق.
قال الشافعي:
أجمع المسلمون على أنَّ من استبان له سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحلّ له أن يدعها لقول أحد.
قال أحمد بن
حنبل: من رد حديث النبي صلى الله عليه
وسلم فهو على شفا هلكة.
وقال الإمام
البربهاري : إذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن فلا تشك أنه رجل
قد احتوى على الزندقة فقم من عنده ودعه.
وعن خُرَّزَاذ
العابد قال: كنت عند الرشيد فدخل عليه أبو معاوية الضرير وعنده رجل من وجوه قريش فحديث أبو
معاوية الضرير، بحديث «احتجَّ آدم وموسى».
فقال الرجل
القرشي: فأين لقيه؟! ، فغضب هارون الرشيد وقال: النطع والسيف، زنديق والله، يطعن
في حديث رسول الله ، قال : فما زال أبو معاوية يُسكنه ويقول: بادرة يا أمير المؤمنين
ولم يفهم، حتى سكنه. "تاريخ بغداد
9/12"
وقال عبد الله
بن الزبير الحميدي شيخ الإمام البخاري: والله لأن أغزو هؤلاء الذين يردُّون
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إليّ من أن أغزو عدَّتهم من الأتراك.!!
وقال قوام
السنة أبو القاسم الأصبهاني في كتابه "الحجة في بيان المحجة":
قال أهل السُّنة من
السلف: إذا طعن الرجل على الآثار، ينبغي أن يُتهم على الإسلام.
قال الإمام
محمد بن الحسين الآجري في كتابه الشريعة :
بابٌ: [يَنْبَغِي
لِأَهْلِ اَلْعِلْمِ وَالْعَقْلِ أَنْ يَقُولُوا لِكُلِّ مَنْ يَقُولُ لَا
أَقْبَلُ إِلَّا كِتَابَ اَللَّهِ أَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ]
قال محمد بن
الحسين الآجُرِّيُّ - رَحِمَهُ اَللَّهُ-: يَنْبَغِي لِأَهْلِ اَلْعِلْمِ
وَالْعَقْلِ إِذَا سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ فِي شَيْءٍ
قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ اَلْعُلَمَاءِ فَعَارَضَ إِنْسَانٌ جَاهِلٌ فَقَالَ: لَا
أَقْبَلُ إِلَّا مَا قَالَ اَللَّهُ فِي كِتَابِهِ. قِيلَ لَهُ: أَنْتَ رَجُلُ
سُوءٍ, وَأَنْتَ مِمَّنْ حَذَّرَنَاك النبي صلى الله عليه وسلم وَحَذَّرَ مِنْكَ
اَلْعُلَمَاءُ.
وَقِيلَ لَهُ
يَا جَاهِلُ إِنَّ اَللَّهَ أَنْزَلَ فَرَائِضَهُ جُمْلَةً وَأَمَرَ نَبِيَّهُ
أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى ﴿
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ اَلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ فَأَقَامَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ
عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ مَقَامَ اَلْبَيَانِ عَنْهُ, وَأَمَرَ اَلْخَلْقَ
بِطَاعَتِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ, وَأَمَرَهُمْ بِالِانْتِهَاءِ عَمَّا
نَهَاهُمْ عَنْهُ, فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ كَمَا حَذَّرَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوا
أَمْرَ رَسُولِ اَللَّهِ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ اَلَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ اَلْآيَةَ وَقَالَ: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ اَلْآيَةَ ثُمَّ
فَرَضَ عَلَى اَلْخَلْقِ طَاعَتَهُ فِي نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا مِنْ
كِتَابِهِ.
ثم قال :هَذَا قَوْلُ عُلَمَاءِ اَلْمُسْلِمِينَ,
مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا خَرَجَ عَنْ مِلَّةِ اَلْإِسْلَامِ وَدَخَلَ فِي مِلَّةِ
اَلْمُلْحِدِينَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ اَلضَّلَالَةِ بَعْدَ اَلْهُدَى. وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصلاة واَلسَّلَامُ وَعَنْ صَحَابَتِهِ مِثْلُ
ذَلِكَ.
مفسر الأحلام والجهل المركب
قد ظهر على الناس في هذا الوقت بعض الأغمار أهل الجهل
والاغترار الذين عارضوا سنة المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم بعقولهم الفاسدة وآراءهم الكاسدة الذين ركبوا
مركب الجهل وامتطوا ظهر الحماقة، جَرَوا في ذلك مُجرى أهل الكلام من أهل
الاعتزال والتجهم وغيرهم من أهل الحداثة والتنوير المصطنع!! زاعمين تعظيم العقل
والغلو فيه وتقديسه وإنزاله في غير منزلته ومعارضته للوحي المنزل من عند الله وعلى
لسان رسول الله وجعله حاكماً على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتقديمه على
النقل الصحيح الثابت ولو كان هذا النقل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
كالجبال في الصحة أو هو مما اتفق عليه أئمة الحديث أهل الاختصاص أو تلقته الأمة
بالقبول أو أجمعت على ما فيه والاحتجاج به كالصحيحين ، وإمامهم في هذا الغلو في
العقل ذو الخويصرة التميمي الخارجي الذي طعن في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم
بعقله الفاسد وهواه ،بل إمامهم الأعظم وقائدهم الأكبر شيخ الطريقة أبو مرة إبليس
اللعين فهو أول من عارض الوحي بالعقل فاستكبر في نفسه وأبى الانصياع لأمر الله عز
وجل بالسجود لآدم عليه السلام قال تعالى : قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ
إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ.
قال
ابن القيم رحمه الله : ولا إله
إلا الله والله أكبر , كم لهذا الإمام اللعين من أتباع من العالمين؟ وأنت إذا
تأملت عامة شبه المتأولين رأيتها من جنس شبهته، والقائل: إذا تعارض العقل والنقل
قدمنا العقل، من هنا اشتق هذه القاعدة وجعلها أصلا لرد نصوص الوحي التي يزعم أن
العقل يخالفها ، وعُرضت هذه الشبة لعدو الله من جهة كِبره الذي منعه من الانقياد المحض لنص الوحي . وهكذا تجد
كل مجادل في نصوص الوحي إنما يحمله على ذلك كبرٌ في صدره ما هو ببالغه ، قال تعالى
:
إِنَّ
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن
فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ
ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. "مختصر الصواعق 1/126"
لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون فيذهب أولئك الطاعنون في سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم أدراج الرياح والمشككون في حديثه كالهباء المنثور، وكرماد
اشتدت به الريح في يوم عاصف، يذوبون كما يذوب الملح في الماء فلا أثر حسن لهم في
أمة الإسلام ولا عاقبة خير ترتجى منهم بل عليهم وزر ما عملوا ووزر من اتبعهم على
ضلالهم وباطلهم إلى يوم القيامة ،قال تعالى : لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ
ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ
ولهم
نصيب من قوله تعالى : إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ
قال ابن كثير في تفسيره: إن مبغضك -يا
محمد- ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين ، هو الأبتر
الأقل الأذل المنقطع ذكره. اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عند قوله تعالى : ( إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر): فمن شنأ شيئا مما جاء به
الرسول صلى الله عليه وسلم فله من ذلك نصيب ; ولهذا قال أبو بكر بن عياش لما قيل
له : إن بالمسجد أقواما يجلسون ويجلس الناس إليهم فقال : من جلس للناس جلس الناس
إليه ; لكن أهل السنة يبقون ويبقى ذكرهم وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم . وذلك
أن أهل البدعة شنئوا بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فأبترهم بقدر ذلك
والذين أعلنوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فصار لهم نصيب من قوله تعالى {
ورفعنا لك ذكرك } فإن ما أكرم الله به نبيه من سعادة الدنيا والآخرة فللمؤمنين
المتابعين نصيب بقدر إيمانهم .
"مجموع الفتاوى 28/38"
وقال رحمه الله : " سورة الكوثر
" ما أجلها من سورة وأغزر فوائدها على اختصارها وحقيقة معناها تعلم من آخرها
فإنه سبحانه وتعالى بتر شانئ رسوله من كل خير فيبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك في
الآخرة ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولا يتزود فيها صالحا لمعاده ويبتر قلبه فلا
يعي الخير! ولا يؤهله لمعرفته ومحبته والإيمان برسله ويبتر أعماله فلا يستعمله في
طاعة ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرا ولا عونا!!. ويبتره من جميع القرب
والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعما ولا يجد لها حلاوة وإن باشرها بظاهره فقلبه
شارد عنها . وهذا جزاء من شنأ بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ورده لأجل
هواه أو متبوعه أو شيخه أو أميره أو كبيره!!!...ومن أقوى علامات شناءته لها
وكراهته لها أنه إذا سمعها حين يستدل بها أهل السنة على ما دلت عليه من الحق اشمأز
من ذلك وحاد ونفر عن ذلك لما في قلبه من البغض لها والنفرة عنها فأي شانئ للرسول
أعظم من هذا.!!!!
وهذا
وصف دقيق من شيخ الإسلام الخبير بأحوال كثير من الناس وخصوصا المعارضين للسنة
والمعادين لها والمتسلطين عليها بالطعن والرد فكل من تسلط على سنة النبي صلى الله
عليه وسلم وعلى حديثه قد أذهبه الله ولم يكن له ذكراً محموداً بين أهل الحق فلا
يذكر بخير ولا بعلم نافع ولا بدعوة صادقة صالحة ولا بنفع للناس، فأين أبو رية ؟
وأين الترابي؟ وأين الغزالي؟ وأين غيرهم ممن رد سنة النبي صلى الله عليه وسلم
بعقله وطعن فيها بهواه وقدم رأيه على سنة المصطفى وهديه؟ وبما يذكرون ؟! وأين
صاروا في تاريخ الأمة الإسلامية؟ فإن التاريخ كما قيل لا يرحم.!
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" هؤلاء المتأخرون المنكرون للسنة
أتوا منكرا عظيما ، وبلاء كبيرا ، ومعصية عظيمة ، حيث قالوا : إن السنة لا يحتج
بها ، وطعنوا فيها وفي رواتها وفي كتبها ، وسار على هذا المنهج وأعلنه كثير من
الناس في مصر وفي غيرها ، وسموا أنفسهم بالقرآنيين ، وقد جهلوا ما قاله علماء
السنة ، فقد احتاطوا كثيرا للسنة تلقوها أولا عن الصحابة حفظا ـ ودرسوها وحفظوها
حفظا كاملا ، حفظا دقيقا بعناية تامة ، ونقلوها إلى من بعدهم ، ثم ألف العلماء في
القرن الثاني وفي القرن الثالث ، وقد كثر ذلك في القرن الثالث ، فألفوا الكتب
وجمعوا الأحاديث حرصا على السنة وحفظها وصيانتها ، فانتقلت من الصدور إلى الكتب
المحفوظة المتداولة المتناقلة ، التي لا ريب فيها ولا شك ، ثم نقبوا عن الرجال
وعرفوا ثقتهم ، من ضعيفهم ، من سيء الحفظ منهم ، حتى حرروا ذلك أتم تحرير ، وبينوا
من يصلح للرواية ومن لا يصلح للرواية ، ومن يحتج به ومن لا يحتج به .
واعتنوا بما قد وقع من بعض الناس من
أوهام وأغلاط ، وعرفوا الكذابين والوضاعين ،فألفوا فيهم وأوضحوا أسماءهم ، فأيد
الله سبحانه وتعالى بهم السنة ، وأقام بهم الحجة وقطع بهم المعذرة ، وزال تلبيس
الملبسين ، وانكشف ضلال الضالين ، وبقيت السنة بحمد الله جلية وواضحة لا شبهة فيها
ولا غبار عليها ، وكان الأئمة يعظمون ذلك كثيرا ، وإذا رأوا من أحد تساهلا بالسنة
أو إعراضا أنكروا عليه ." اهـ (مجموع فتاوى ابن باز 8/141)
وأين
سلفهم ممن طعن في حديث رسول الله من أهل البدع والضلال من أهل الكلام وغيرهم الذين
تصدى لهم سلف الأمة من التابعين وتابعيهم بدعوى عدم قبول العقل لها فتبا لتلك
العقول الفاسدة التي لم تقف على قدم التسليم لله عز وجل والايمان به والتصديق
لرسوله صلى الله عليه وسلم والانقياد له وعدم التقدم على سنته فبعداً بعدا وسحقاً سحقا ، فهذا عمرو بن عبيد
المعتزلي العقلاني يقول عنه معاذ العنبري رحمه الله: سمعت عمرو بنَ عبيد يقول - وذكر حديث
الصادق المصدوق ( يعني قوله صلى الله عليه وسلم: يجمع أحدكم في بطن أمه أربعين
يوما ): " لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذَّبْتُه، ولو سمعت زيدَ بن وهب يقول
هذا ما أحببتُه، ولو سمعتُ عبدالله بنَ مسعود يقول هذا ما قَبِلْتُه، ولو سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لرددته!!!، ولو سمعت الله تعالى يقول هذا
لقلت له: ليس على هذا أخذت ميثاقَنا"!!!!!!
يا
سبحان الله ! فهذه المقالة ومقالة ذلك المذيع مفسر الأحلام السابق المفتون المشكك
في الصحيحين تخرج من مشكاة واحدة لما تحدث عن حديث جماع النبي صلى الله عليه وسلم
لزوجاته بغسل واحد وهو
حديث قد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وهذا المذيع المفتون الحيران المشكك في
السنة باع دينه بعرض من الدنيا قليل زائل وكان قبل ذلك في إحدى البلاد العربية نكرة
لا يعرفه أحد ولم يشتهر بالعلم ولا بالتعلم وإن كان مستور الحال ثم انتقل مفسرا
للأحلام في إحدى القنوات الخليجية يأكل من تفسيره للأحلام ويشهد على نفسه بأنه ليس
بطالب علم ولا بعالم في دين الله ولن يكون كذلك ولو بعد ألف سنة!! كما قال هو عن
نفسه ومع ذلك كان منغمساً بين الجماعات الحزبية التكفيرية وله تغريدات تدل على
مودته ومحبته مع تصويره وتأييده لرؤساء هذه الجماعات انتشرت بين الناس لا يستطيع هو
تكذيبها ثم انتقل إلى قناة مجاورة لها فأخذ يظهر الهجوم على أصدقائه القدامى من
الجماعات الحزبية التكفيرية وامتاز بالجرأة في ذلك حتى أعجب به بعض من انخدع به ثم
ما فتأ حتى بانت عليه علامات الانحراف عن السنة والتشكيك في ثوابتها :
فأولاً:
بدأ بالطعن في الأمر بالنقاب للنساء وتغطية الوجه لهن وسمى ذلك (بالتعسف ضد المرأة) مع علمه -وهو المتخصص بالتفسير كما
يزعم!!-أن الآمر لهن هو الله عز وجل قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل
لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن
جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا.
قال ابن جرير في تفسيره : يقول تعالى
ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك
ونساء المؤمنين: لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن
شعورهن ووجوههن ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهنّ؛ لئلا يعرض لهن فاسق، إذا علم
أنهن حرائر، بأذى من قول. اهـ
وقال
ابن عباس رضي الله عنه : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن
يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.
وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تنتقب المحرمة. " صحيح
البخاري"
وفي
هذا الحديث دليل على أن المرأة المسلمة غير المحرمة يجوز لها لبس النقاب.
ثانياً: مدحه
للصوفية والمتصوفة ونشره مقالاتهم كالحلاج.! وكان هذا بعد أن رمى عباءة التدين
ولبس مسوح التنوير المزعوم! مع علمه ما حوته مقالات الحلاج الصوفي من الكفر
والزندقة والانتقاص للرب عز وجل والاعتراض عليه سبحانه وتعالى عما يقولون.
ثالثاً:
طعنه بمصطلح الفرقة الناجية وتضعيفه للأحاديث الواردة فيها على طريقة الإخوان
المسلمين!! والاستهزاء بهذا المصطلح والسخرية منه واتهام أهله بالتشدد والظلامية
ومراده أهل السنة والجماعة أهل الحديث والاثر السائرون على طريق سنة النبي صلى
الله عليه وسلم.
رابعاً: تشكيكه بكتب السنة وبالصحيحين
على وجه الخصوص بدعوى أنه يشك في كل كتاب إلا كتاب الله لأن الله يقول : (ذَٰلِكَ
الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فيه)!!!
ومعلوم لأصغر متعلم أن هذا الأسلوب
القرآني العربي ليس من أساليب الحصر ولا القصر فإن الله عز وجل لم يجعل النفي
محصول ومقصور على كتابه لعلمه سبحانه أن هناك كتب لا يمكن ان يكون في قلب المسلم
ريب وشك فيها ،فمن المعلوم أن الله عز وجل قد أنزل كتباً على بعض رسله وأمرنا
بالإيمان بها إما على سبيل الإجمال أو على سبيل التفصيل والإيمان والشك لا يجتمعان
بل الإيمان بها من أركان العقيدة فهل يشك بها مسلم وبما جاء بها من الحق قبل
التحريف والنسخ لأن الله يقول : ذلك الكتاب لا ريب فيه .!!!
ومن المعلوم والمتفق عليه عند المسلمين
عامة وأهل السنة خاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كتب بعض الكتب وأرسلها إلى
من أراد كمثل كتابه إلى هرقل عظيم الروم وككتابه في صلح الحديبية وغير ذلك من كتبه
بل وكتبت بعض أحاديثه في حياته فقد روى أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن عبدِ
اللهِ بنِ عَمرٍو رضي الله عنهما، قال: كنتُ أَكتُبُ كلَّ شيءٍ أَسمَعُهُ مِن
رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أُرِيدُ حِفْظَهُ، فنَهَتْنِي قُرَيشٌ،
وقالوا: أَتكتُبُ كلَّ شيءٍ تَسمَعُهُ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
بَشَرٌ يَتكلَّمُ في الغضبِ والرِّضا؟ فأَمسَكْتُ عن الكِتابِ، فذَكَرْتُ ذلكَ
لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأَوْمأَ بأُصبُعِهِ إلى فيه، فقال:
اكتُبْ؛ فوالَّذي نفْسي بيدِهِ، ما يَخْرُجُ منه إلَّا حقٌّ.
فهل يشك أحد في كتب رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأن الله عز وجل يقول :ذلك الكتاب لا ريب فيه!! وهل هذه إلا دعوة كاذبة
خاطئة ليس لها وزن في العلم بل هي باب للمناداة على صاحبها بالجهل والهوى.
وقد
قام ببيان جهله وسوء مقالته والرد عليه وعلى مقالته الخبيثة طلاب العلم والمشايخ
في بلده وغير بلده بل حتى وجهاء الناس وأعيانهم قد انبروا للدفاع عن الصحيحين
فجزاهم الله خيرا في الذب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فظهر للناس جهله
الفاضح وسوء طويته ،لكن قد ظهر عليه بعدها
أثار العزة بالإثم فأخذ بالتبرير لمقالته وأنه سائر على طريقة النقاد الذين نقدوا
الصحيحين من جهة الصناعة الحديثية وهذا كذب منه وافتراء فإنه إنما شك في الصحيحين
بعقله الفاسد وقلة علمه وعدم إحاطته بعلم المصطلح وبعلم الحديث رواية و دراية وأطلق العبارات في الفضاء الإعلامي
ولم يميز وإنما مراده أن يكسر هذا الباب الحصين فيتجرأ بعد ذلك إلى غيره من كتب
الحديث فيطعن بها فلا يسلم لنا من سنة نبينا شيء إلا كان عرضة لطعنه بهواه ورده
بعقله ورأيه الشاذ. ثم شرع في الطعن بحملة السنة والدين وأئمة المسلمين وعلمائهم
وأولهم الصحابة وأخذ بتكذيبهم والكذب عليهم والاستهزاء بهم وذكر مثالبهم وأنهم
أخفوا عن الناس الدين!! وهذا مخالف للقران لأن الله يقول : ( فَاسْأَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
خامساً:
طعنه بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورفضه القاطع أن يكونوا هم من يمثل
الإسلام.!!!
فإذا
كان الصحابة رضي الله عنهم الذين زكاهم الله عز وجل من فوق سبع سموات وزكاهم النبي
صلى الله عليه وسلم ليس هم الذين يمثلون الإسلام الصحيح فمن الذي يمثله؟!!
أهو
الذي يمثله؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم ،كل هذا لقطع الطريق على الناس للاهتداء
بالصحابة والاقتداء بهم والسير على منهاجهم فإذا فعل الناس ذلك ذهب الدين واندرست
معالمه ويبقى رؤوسا جهالا من أمثاله يفتون الناس بغير علم فيُضلون ويضلون!!
والصحابة فضائلهم ومكانتهم أعظم وأكبر
من أن تحويها هذه الورقات لكن حسبنا قول الله عز وجل : كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وقال
تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ.
وقال
تعالى: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن
تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
وعن
أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه قال: صَلّيْتُ المغرب مع رسولِ الله صلى الله عليه
وسلم ثم قلنا لو جلسنا حتى نصلّي معه العشاء قال فجلسنا فخرج علينا فقال: (ما
زلتم ههنا؟، قلنا: يا رسولَ الله صلَّينا معك المغرب ثم قلنا نجلسُ حتى نصلي
معك العشاء، قال: أحسنتم أو أصبتم، قال: فرفع رأسهُ إلى السماء وكان كثيراً ما
يرفع رأسه إلى السماء فقال: النجوم أَمَنَةُ السماءِ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء
ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة
لأُمَّتي فإذا ذهب أصحابي أتى أُمَّتي ما يوعدون) " صحيح مسلم "
وعن
أبي سعيد رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس
زمانٌ يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم مَنْ رأى رسولَ اللهِ صلى الله عليه
وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئامٌ مِنَ الناس فيقال لهم: فيكم مَنْ
رأى مَنْ صحِب رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو
فئام من الناس فيقال لهم: هل فيكم مَنْ رأى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رسول الله صلى
الله عليه وسلم؟ فيقولون نعم فيفتح لهم) "صحيح مسلم"
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لا
تَسُبُّوا أَصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أَنَّ أَحدكم أَنفق مثل أُحُدٍ ذهباً ما
أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه) "صحيح مسلم"
سادساً:
طعنه ورده لأحاديث ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهم بدعوى
أنها لا توافق عقله القاصر وفهمه الفاسد أو بدعوى معارضتها لصريح القرآن أو بدعوى
معارضتها لأحاديث أخرى أقر بها العقل وأثبتها !!!
وهذه البلية التي تجرأ بها على حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله نصب عينيه يرد منه ما يشاء ويذر ما يشاء بهواه
وسوء طويته بدعوى معارضة هذه الأحاديث الصحيحة الثابتة للعقل تارة ومعارضتها
للقرآن تارة أخرى وهي دعوى قديمة متجددة قد جاء الوعيد الشديد عليها من الصادق
المصدوق صلى الله عليه وسلم ،فيصدق عليه وعلى أمثاله ما قَدْ رَوَاه الامام أحمد
وأبو داود وغيرهم عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا
إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ
وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ
يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ
فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ)
ومن ذلك إنكاره أن يكون النبي صلى الله عليه
وسلم طاف على نسائه التسعة بغسل واحد وهو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم
من حديث أنس بن مالك رواه البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم ولم يطعن فيه أحد من أهل
الإسلام منذ عصر النبوة فيما أعلم بعقله وهواه إلا هذا المذيع المفتون فقد قال عن
هذا الحديث أنه كفر لأن فيه طعن بالنبي صلى الله عليه وسلم!!! ثم استدرك وقال : لا
أعني الكفر المخرج عن الإسلام!! وهذا من جهله فإن الطعن بالنبي صلى الله عليه وسلم
كفر مخرج عن الملة بإجماع العلماء ، ثم قال وأقسم على ذلك : لو أقسم لى جميع
الرواة على هذا الحديث ما صدقتهم. وهم سلسلة الإسناد من البخاري إلى الصاحبي أنس
بن مالك فهو يكذبهم ولا يقبل منهم ولو حلفوا على ذلك ، فيا لله العجب ما أشبه
مقالته بمقالة عمرو بن عبيد المعتزلي العقلاني التنويري السابق ذكره!!.
وهذا الحديث بحمد لله لا يوجد فيه أمر
ترفضه العقول السليمة فالنبي صلى الله عليه وسلم قد حباه الله ببعض الخصائص التي
لم يعطها لغيره من البشر ولا غرابة في ذلك فالنبي قد جعل الله عرقه أطيب من رائحة
المسك بل هو من أطيب الطيب فقد روى مسلم في صحيحه عن أنس قال كان رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- :( أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ ولا شممت مَسكة ولا عنبرة أطيب من
رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم )
وروى مسلم عن أم سليم أن النبى - صلى
الله عليه وسلم- كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له بساطاً فينام عليه وكان كثير
العرق فكانت تجمع عرقه فتجعله فى الطيب والقوارير فقال النبى - صلى الله عليه
وسلم- « يا أم سليم ما هذا ».قالت هذا عرقك أدوف به طيبي. أي أخلطه
وأعطي صلى الله عليه وسلم قوة ثلاثين
في الجماع كما أعطي غيره من الأنبياء القوة في الجماع فهذا سليمان بن داود عليهما
السلام طاف على مئة امرأة من نسائه كما جاء هذا في الحديث المتفق عليه.
وكذلك قد أعطي صلى الله عليه وسلم
الكثير من الخصائص والمعجزات الثابتة له بالكتاب والسنة وميزه عن غيره من البشر
بأمور لم يعطها لهم فهل ينكرها هذا المذيع
المفتون بعقله الفاسد؟ فمن ذلك أنه ﷺ يرى من خلفه كما يرى من أمامه قال ﷺ: إني لأراكم وراء ظهري. ومن ذلك أنه يرى ما لا نرى قالﷺ: إني أرى ما لا
ترون، ومنها أنه أمسك بالشيطان حتى وجد برد
لعابه على يده الشريفة وغير ذلك كثير، فهل من أثبت هذه الخصائص له يكون قد أخرجه
عن حيز البشرية؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم
فعارضه بجهله بحديث : أن النبي صلى
الله عليه وسلم يضع الحجر على بطنه من الجوع.!!
وأنه بشر كسائر البشر يجوع ويظمأ
ويعتريه ما يعتري الناس من الحاجة للأكل والشراب.
ويظهر من كلام هذا المذيع المفتون أنه
شكك في الصحيحين أولاً فاعتقد بهما السوء ثم ذهب يبحث عن أحاديث يظهر له بعقله
القاصر أن بينهما تعارض ليثبت للناس أن في الصحيحين أحاديث لا يمكن الجمع بينهما ثم
تطور به الأمر ليثبت للناس رأيه ولم يجد إلى ذلك سبيلا إلا بإنكار ما لنبينا من
الخصائص التي ميزه الله بها دون سائر البشر كما خص غيره من الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام بخصائص دون أقوامهم وأممهم.!! وذلك بجهله وسوء قصده وإلا فالحمد لله لا
يوجد بين هذه الاحاديث أي تعارض وإنما دخل عليه التعارض من سوء فهمه وقلة علمه ، فحديث : إنِّي
لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ ، إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني ،فهذا من خصائصه في عبادة
الصيام والوصال فيه التي أذن له الله بها
وقد اختلف أهل العلم في معنى ذلك وأقرب الأقوال في ذلك أن معناه : أي طعاماً معنوياً مما يفيض الله عليه من العلم بربه والأنس به وتعلق قلبه به ومناجاة ربه فينسيه الطعام والشراب
،وقال ابن حجر : وقال الجمهور : قوله : " يطعمني ويسقيني " مجاز عن
لازِم الطعام والشراب ، وهو القوة ، فكأنه قال : يعطيني قوة الآكِل والشارِب ،
ويُفيض عليّ ما يَسِدّ مَسَدّ الطعام والشراب ، ويَقْوَى على أنواع الطاعة من غير
ضعف في القوة ولا كِلال في الإحساس. اهـ
وأما وضع الحجر على بطنه فهذا لا ينافي
ما سبق فالنبي صلى الله عليه وسلم يعتريه حالات من الفقر والغنى والشبع والجوع
والصحة والمرض كسائر البشر وهذا من الحالات المعتادة وذاك خاص في عبادة الصوم
والوصال.
وهكذا يسير هذا المفتون ينتقي من
أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يوافق هواه فيضرب بعضها ببعض بسوء قصد وجهل ولن يتوقف عند
هذا بل سيظهر منه المزيد إلا أن يشاء الله له الهداية.
سابعاً: تجويزه للاحتفال ببعض أعياد
المشركين كعيد الهلوين وعيد الكرسميس ورأس السنة الميلادي وتجويزه التهنئة لهم في
أعيادهم وتسميته اليهود إخوان القردة والخنازير وعباد الصليب الشاتمين لرب
العلمين(بإخوانه!!!) ودعواه أن ذلك كله من التسامح! وما
ذاك إلا تنازل عن الدين وثوابته وأصوله وميوعة يتطلب صاحبها رضى من غضب الله عليه
ولعنه وأعد لهم عذابا أليما وموالاة لهم ورضاً بما يصنعون، قال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال
تعالى :(يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ
الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي
ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا
أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)
والاحتفال " بالكريسمس "
وغيره من أعيادهم الدينية والمبتدعة هو احتفال بسب الله سبحانه وتعالى وشتمه
وانتقاصه قال النبي صلى الله عليه وسلم :"
قَالَ اللَّهُ تعالى : كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ،
وَشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ
أَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ،
فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا"
رواه البخاري
وما هذا إلا من مزالق الشيطان قال
تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ
اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ
جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) .
وقال الله عز وجل " وَالَّذِينَ
لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ " قال مجاهد والربيع بن أنس وغيرهم من أئمة التفسير
: هو أعياد المشركين.
وجاء عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال
: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة فأتى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن
من أوثان الجاهلية يعبد ،قالوا :لا ،
قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم
،قالوا: لا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا
فيما لا يملك ابن آدم. رواه أبو داود وغيره.
فمشاركة الكفار من اليهود والنصارى في
أعيادهم فيه إقرار لهم على باطلهم ورضى به ومشاركة في الإثم وتشبه بهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"من تشبه بقوم فهو منهم " رواه أبو داود
قال شيخ الاسلام : وهذا الحديث أقل
أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم كما قال تعالى " ومن يتولهم منكم فإنه منهم
".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا
تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم . رواه البيهقي
وقال ابن القيم رحمه الله : أما
التهنئة بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم
فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو
من المحرمات ، وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله
وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير
ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو
بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه.
تاسعاً:
دعوته إلى وحدة الأديان وذلك بثنائه على مشروع يبنى فيه مسجد وكنيسة ومعبد يهودي
في بلده.
والمراد "بوحدة الأديان" هو
القول بصحَّة جميع المعتقدات والدِّيانات وخصوصا اليهودية والنصرانية والإسلام وهذه
دعوة قديمة أول من قال بها هم بعض غلاة التصوف القائلين بالحلول والإتحاد ووحدة
الوجود ثم دعا إليها بعض الملاحدة والنصارى وبعض أهل الملل الأخرى الذين يجيزون
التعبد بأي دين كان وأن كل الطرق تأدي إلى الله!!! ولهم مسميات وشعارات منها : "التوحيد بين الموسوية والعيسوية
والمحمدية" و "الدعوة إلى التقريب بين الأديان" و"نبذ
التعصُّب الديني" و"الملة الإبراهيمية"و "الوحدة الإبراهيمية"
ثم انتقلوا بعد ذلك إلى فكرة طباعة القرآن والانجيل والتوارة في كتاب واحد تحت مسمى
"وحدة الكتب السماوية"!!
انظر كتاب: ( الإبطال لنظرية الخلط بين
دين الإسلام وغيره من الأديان)
وهذا
القول في الحقيقة هو هدم للإسلام ونقض له من قواعده التي أساسها ومبناها على صدق
الإيمان بالله عز وجل وتوحيده بإفراد العبادة له وحده لا شريك له وصدق نبيه ورسوله
محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه وعزة الإسلام
وظهوره على سائر الأديان وعدم قبولها عند الله ومنع التعبد لله بها لأنها إما
باطلة مشتملة على الشرك به والتكذيب لنبيه صلى الله عليه وسلم أو أنها محرفة
مكذوبة على الله أو أنها منسوخة برسالة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، فالله عز
وجل قد أخبرنا في كتابه أنه لا يقبل من الأديان إلا ما كان حق وصواب وهو الذي جاء
به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام قال تعالى : إنَّ الدِّينَ عِندَ
اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن
بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ
اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ.
وقال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ
الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ.
قال
ابن كثير : ]هذا [إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده
يقبله من أحد سوى الإسلام ، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين ، حتى
ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى
الله عليه وسلم ، فمن لقي الله بعد بعثته صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته
، فليس بمتقبل . كما قال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه [ وهو
في الآخرة من الخاسرين ] ) وقال في هذه الآية مخبرا بانحصار الدين المتقبل عنده في
الإسلام : ( إن الدين عند الله الإسلام ).
وقد
برأ الله نبيه وخليله إبراهيم من هذه الدعوة الباطلة ومن انتساب أهل الباطل له من
اليهود والنصارى لأنهم أرادوا أن ينفقوا بين الناس بالتعلق بعظيم ذو شأن لكي يغتر
بهم الجهال فرد الله عليهم دعواهم وأكذبهم قال تعالى : مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا
وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ.
أخـــيراً
هذا
بعض أشهر ما تفوه به ذاك المذيع المفتون وهذه بعض سقطاته وهي كثيرة ويعجز المقام
عن استقصاءها جميعا ولا زال ينفث سمومه في قناته فاقتضى التحذير منه نصحا للأمة
وذبا عن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ورداً له ولأمثاله ممن يتجرأ بسفهه وجهله
وهواه بالطعن في ثوابت هذا الدين العظيم وقد رد عليه بعض طلاب العلم مشكورين ،فجزاهم
الله خيرا وأسأل الله عز وجل أن يكف شره عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأن يهديه
سواء السبيل كما أسأله التوفيق والسداد والإخلاص إنه جواد كريم وبنا رؤوف رحيم.
كتبه
بندر
بن محمد الميموني