الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

معرفة بعض حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم علينا


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد،،،
فإن الله عز وجل قد أرسل أفضل رسله وخاتم أنبياءه ،نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً وأمره بتبليغ دينه وشريعته التي ارتضاها للناس أجمعين ،قال تعالى" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " وقال تعالى " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ". ومن المعلوم أن لنبينا صلى الله عليه سلم حقوقاً على هذه الأمة وذلك لعظيم فضله عليها ولعلو مكانته عند ربه عز وجل ينبغي على العبد المسلم المحب لنبيه صدقاً أن يتعلم هذه الحقوق ويعمل بها ثم يسعى في تعليمها لغيره لعله يفوز بسعادة الدارين ويحظى برضى رب العالمين ،ومما لا شك فيه أن حقوق نبينا صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً يعسر جمعها هنا لكن نذكر طرفا منها والله الموفق للصواب :

١) الشهادة له بالرسالة.
إن أول الواجبات على الإنسان هو الشهادة لله عز وجل بالألوهية والتوحيد والشهادة لنبيه بالرسالة فلا يصح إسلام أحد من الناس حتى ينطق بالشهادتين وهما ركن الإسلام الأول ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ " متفق عليه
وقال صلى الله عليه وسلم : "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"  متفق عليه
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا رضي الله عنه إلى اليمن أمره أن يكون أول ما يدعوهم إليه  هو "شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" متفق عليه ، لذا لا يتم إسلام المرء حتى يشهد لنبينا بالرسالة ظاهراً وباطناً.

٢) وجوب محبته.
قال تعالى " قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ "
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " متفق عليه
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " متفق عليه
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ " رواه مسلم 
وقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في محبتهم لنبينا صلى الله عليه وسلم ،فهذا عمر رضي الله عنه يقول لرسول الله : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي ،فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ ،فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي ،فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْآنَ يَا عُمَرُ " متفق عليه
 وهذا عمرو بن العاصي يقول :" وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ"رواه مسلم

٣) وجوب تعظيمه وتوقيره.
قال تعالى " لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا "
التعزير في هذه الآية هو النصرة مع التعظيم، والتوقير هو الإجلال والإحترام والإعظام.
فجعل الله عز وجل التعظيم والإجلال والإحترام والوقار لنبيه والتسبيح له سبحانه وتعالى. 
قال ابن القيم :" وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعاً لمحبة الله وتعظيمه كمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ،فإنها من تمام محبة مُرسلِه وتعظيمه ،فإن أمته يحبونه لمحبة الله له ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له ،فهي محبة لله من موجبات محبة الله. جلاء الأفهام 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن قيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله ،وسقوط ذلك سقوط الدين كله. الصارم المسلول

٤) امتثال أمره واجتناب نهيه

قال تعالى : "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " فهذه الآية صريحة في وجوب امتثال  أمر نبينا وأخذه بلا تردد والبعد عن كل ما نهانا عنه لأنه مبلغ عن الله أمره ونهيه وهذا هو مقتضى البلاغ الذي أمره الله عز وجل به
" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ "
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " متفق عليه 

وامتثال الأوامر واجتناب الزواجر هي عنوان المحبة الصادقة للنبي صلى الله عليه وسلم وليس مجرد الدعاوى التي لا تتجاوز الحناجر فقد أمر الله عز وجل نبيه أن يرد على مزاعم اليهود لما ادعوا محبة الله كذباً فقال تعالى " قال إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله "
فمن لوازم المحبة الصادقة تجريد المتابعة له صلى الله عليه وسلم ،ومن غيرحقيقة الاتباع له تكون هذه المحبة محبة ناقصة وعلى قدر نقصان الاتباع له ظاهرا وباطنا يكون نقص المحبة له.!

٥) تصديقه في ما أخبر
نبينا صلى الله عليه وسلم هو الصادق المصدوق وهو لا يخبر إلا بالحق والصدق ،قال تعالى " وإنك على الحق المبين " وقال تعالى " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" فكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم يجب تصديقه والاعتقاد بأنه حق ،فمن ذلك :
- إخباره عن كمال أفعال الله ونعوت جلاله وأن له سبحانه وتعالى من الأسماء والصفات التي تليق به عز وجل من غير تمثيل ولا تكييف ومن غير تعطيل وتحريف كما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة، قال تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "
-إخباره بالحوادث التي جرت قبل مبعثه كأخبار الأنبياء مع أممهم ،وإخباره بحوادث ستحدث في زمنه كإخباره عمر أنه سيأتي البيت ويتطوف به رواه البخاري وغيره، وكإخباره بعلامات الساعة و الحوادث والفتن التي تجري على الأمة إلى يوم البعث وهي كثيرة جداً وقد وقع بعضها،فهذا وغيره مما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم فيجب تصديقه واعتقاد أنه حق وإلا كان مكذباً ،قال تعالى " فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤن"

٦) ألا يعبد الله إلا بما شرع.
العبادة لا تكون مقبولة عند الله عز وجل إلا إذا قامت على ركنين :
١- الإخلاص لله وحده في العبادة فلا يشرك معه أحد فيها لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من هو دون ذلك ،قال تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين "
وقال تعالى مخاطباً نبيه والأمة من بعده " لإن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين "

٢- المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يتقرب لله عز وجل بعبادةٍ ما شرعها ولا أذن بها نبينا وقد قال صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم ،أي مردود على صاحبه غير مقبول عند الله ،وقال صلى الله عليه وسلم : "فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" رواه مسلم 
سُئل الفضيل بن عياض رحمه الله عن قوله تعالى : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا  ) فقال : هو أخلص العمل وأصوبه . قالوا : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً وصواباً ، فالخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة .اهـ .

٧) التأدب معه في حال حياته والتأدب مع سنته بعد وفاته.
قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم".
فهذا تأديب من الله عز وجل للأمة ألا تقدم على قول الله وقول رسوله قول أحد كائنا من كان لا شيخاً ولا رئيساً ولا أميراً ولا غير ذلك ، فإن قول الله وقول رسوله واجب الاتباع وقول غيره لا يعدو أن يكون جائز الاتباع ،قال ابن سعدي رحمه الله عند هذه الآية :" هذا متضمن للأدب مع الله تعالى ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعظيم له واحترامه وإكرامه ،فأمر الله عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالله وبرسوله من امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه وأن يكونوا ماشين خلف أوامر الله ،متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أمورهم وأن لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله ولا يقولوا حتى يقول ولا يأمروا حتى يأمر ،فإن هذا حقيقة الأدب الواجب مع الله ورسوله ،وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه ،وبفواته تفوته السعادة الأبدية والنعيم السرمدي ،وفي هذا النهي الشديد عن تقديم غير الرسول صلى الله عليه وسلم على قوله ،فإنه متى استبانت سنة رسول الله وجب اتباعها وتقديمها على غيرها كائناً من كان.
ومن الأدب معه ألا يذكر باسمه المجرد قال تعالى : لا تجعلوا دعاء الرسول كدعاء بعضكم بعضا " لكن يذكر بما ذكره الله عز وجل في القرآن " يا أيها النبي " " يا أيها الرسول ".
ومن الأدب معه صلى الله عليه وسلم التأدب مع سنته فلا تكون مجالاً للاستهزاء والتندر والسخرية فإن هذا أمر عظيم وخطر كبير وهدم للإيمان  في قلب المسلم وهومع ذلك من عمل أهل النفاق ،قال تعالى "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم "

٨) الصلاة عليه كلما ذكر 
من حق نبينا صلى الله عليه وسلم علينا أن يصلى عليه كلما ذكر قال تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".
وقال صلى الله عليه وسلم : " رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ "رواه أحمد والترمذي،
ومعنى "رغم أنف" أي ألصق أنفه بالرغام وهو التراب إذلالاً له وإهانة.
وقال صلى الله عليه وسلم : "من صلى عليّ صلاة صلى اللهُ عليه بها عشراً" رَوَاهُ مُسلِمٌ.
قال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة الدعاء.
وفي الحديث المتفق عليه عن كعب بن عجرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: خرج علينا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فقلنا: يا رَسُول اللَّهِ قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) .

والحمد لله رب العالمين
كتبه / بندر بن محمد الميموني