بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
قال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . فالله عز وجل قد خلق الجن كما خلق الإنس لغاية عظيمة ولحكمة جليلة وهي عبادته وحده لا شريك له فمن آمن منهم كان جزاءه الجنة ونعيمها قال تعالى :( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) والخطاب للجن والإنس , ومن كفر منهم كان جزاءه النار وجحيمها , قال تعالى : ( قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ).
الجن يعد من عالم الغيب الذي لا يعرف حقيقته ولا كنهه إلا الله عز وجل الذي خلقهم وصورهم وأجرى لهم معايش وأحوال .وعالم الغيب يجب على المسلم أن يقف فيه على أقدام التسليم للشرع المنزل من عزيز حميد على خير البشرية فلا يتجاوز بذلك إلى عقل أو حس أو ذوق.
الجن جاء ذكرهم في كتاب الله كثيراً بل وسميت سورة كاملة في كتاب الله باسمهم فلا بد من التعرف على هذا الخلق ومعرفة شيء من أحكامهم وطرق الوقاية من شرهم ووسوستهم وأذاهم التي بينها الله عز وجل وأرشد إليها.
الجن اسم مأخوذ من الستر ,يقال :جن الشيء يجنه جنا أي ستره . وكل شيء ستر عنك فقد جن عنك وبه سمي الجن لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار ; ومنه سمي الجنين لاستتاره في بطن أمه. (انظر لسان العرب)
الشَّيْطانُ: فَيْعال من شَطَن إذا بَعُدَ ... وكل عاتٍ متمردٍ من الجن والإِنس والدواب شيطانٌ (انظر لسان العرب)
الجن أصل خلقتهم النار فقد خلق الله أباهم إبليس منها كما خلق الله أبانا آدم من التراب وهذا ثابت في كتاب الله ,قال تعالى عن أبيهم إبليس " قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ.
الجن يجب الإيمان بوجودهم وحقيقتهم ومنكرهم كافر بالله كفراً أكبر مخرج عن الإسلام لأنه مكذب لله ولرسوله فقد ثبتت الاخبار المتواترة الدالة على وجود الجن في الكتاب والسنة والإجماع , قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : وعليه فإن الجن حقيقة واقعة وإنكارهم تكذيب للقرآن وكفر بالله عز وجل وهم يٌؤمرون ويُنهون. ا هـ
الجن قد أعطاهم الله القدرة على التشكل على صورة بعض البشر أو بعض البهائم كالكلاب وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"الكلب الأسود شيطان" رواه مسلم , وكذلك قد يتشكلون على صورة الحيات ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه قصة رجل من الصحابة رضي الله عنهم كان حديث عهد بعرس وكان في غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعجل بالذهاب إلى زوجه فوجدها بين البابين قائمة فأهوى إليها الرمح ليطعنها به وأصابته غيرة!! فقالت له:
اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني .
قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه :فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى ,قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له وقلنا : ادع الله يحييه لنا . فقال: استغفروا لصاحبكم ,ثم قال :
إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان.
الجن لا يراهم الإنس على صورتهم الأصلية .
قال تعالى : إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ .
قال النحاس : " من حيث لا ترونهم " يدل على أن الجن لا يرون إلا في وقت نبي ; ليكون
ذلك دلالة على نبوته ; لأن الله جل وعز خلقهم خلقا لا يرون فيه , وإنما يرون إذا
نقلوا عن صورهم . وذلك من المعجزات التي لا تكون إلا في وقت الأنبياء صلوات الله
وسلامه عليهم .
الجن منهم المؤمن ومنهم الكافر
قال تعالى : وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا. وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا.
قال ابن كثير : أي منا المسلم ومنا القاسط وهو الجائر عن الحق الناكب عنه بخلاف المقسط فإنه العادل .
الكافر من الجن الناكب عن الحق يسمى شيطان .
قال تعالى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ .
قال قتادة : من الجن شياطين ومن الإنس شياطين يوحي بعضهم إلى بعض
.
الجن مكلفون :
قال في شرح المنتهى :( الْجِنُّ مُكَلَّفُونَ فِي الْجُمْلَةِ) إجْمَاعًا لقوله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لَيَعْبُدُونِ .
وقال الشيخ تقي الدين : ليس الجن كالإنس في الحد والحقيقة فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساويا لما على الإنس في الحد والحقيقة لكنهم شاركوهم في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم ، بلا نزاع أعلمه بين العلماء .ا هـ
قال الشيخ ابن عثيمين : وأنهم مكلفون بالعبادات فقد أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم وحضروا واستمعوا القرآن كما قال تعالى : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا .اهـ
الجن لهم القدرة على التلبس بالإنسي وهذا ثابت بالكتاب والسنة ولم ينكر ذلك إلا أهل البدع كالمعتزلة ومن سار في فلكهم .
قال تعالى : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ .
قال القرطبي رحمه الله : في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن وزعم
أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس. ا هـ
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم. متفق عليه
وعن عطاء بن أبي رباح قال : قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : بلى . قال : هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إني أصرع ، وإني أتكشف . فادع الله لي ، فقال : " إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك " . فقالت : أصبر . فقالت : إني أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها . متفق عليه
قال عبدالله بن الإمام أحمد : قلت لأبي: إن قوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي ,فقال: يا بني يكذبون ,هو ذا يتكلم على لسانه.
الجن يأكلون ويشربون ولهم دواب لخدمتهم الله أعلم بكيفيتها .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجن في ليلة الجن التي ذهب يدعوهم فيها : لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحماً ،وكل بعرة علف لدوابكم. رواه مسلم
الجن يتزاوجون ولهم ذرية .
قال ابن عثيمين رحمه الله: ولكننا نعلم أن الجن أجسام حقيقية وأنهم خلقوا من النار وأنهم يأكلون ويشربون ويتزاوجون ولهم ذرية كما قال تعالى - في الشيطان :
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا.
الجن لا يعلمون الغيب ومن ادعى علم الغيب منهم فقد كفر لأن الغيب لا يعلمه إلا الله وحده.
قال تعالى : قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.
وقد أكذب الله عز وجل الجن لما زعمت انها تعلم الغيب كما في قصة موت نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام فقد لبث ميتا وهو متكأ على منسأته مدة طويلة حتى أكلت الأرضة عصاه فلما سقط علمت الجن والإنس أنهم لا يعلمون الغيب.!!
قال تعالى : فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ .
الجن يسترقون السمع من السماء فإذا سمع الجني الخبر من السماء ألقاه على من تحته وقد يدركه الشهاب فيحرقه.
قال تعالى : إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ .
ثم يلقيه على الكاهن مدعي الغيب ويلقي معها مئة كذبة وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيف تسترق الجن الخبر من السماء حيث قال :
إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على
صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي
الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بكفه
فحرفها وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من
تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها وربما
ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة
كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من
السماء . رواه البخاري
الجن قد يبتلي الله عز وجل بهم بني آدم فيتسلطون عليهم بالأذى وبالوسوسة وقد قال الله تعالى :
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ.
قال ابن كثير : وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله " الوسواس الخناس " الشيطان جاثم على قلب
ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله خنس .
والوسواس مرض فتاك ومن أشد وسائل الشيطان إضراراً بالمسلم ومن أعظمها إفساداً لدينه فينبغي على المسلم ألا يمكن الشيطان من نفسه وأن يعتصم بالله سبحانه وتعالى ويلتجأ إليه ويصبر على هذا البلاء وقد بين الله فضل الصبر على البلاء وما أعطاه للصابرين.
قال تعالى في الصابرين : أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
وقال تعالى : إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ.
وينبغي عليه أن يكثر من الدعاء والتضرع لربه ومولاه ليعصمه من شره وأذاه وأن يجاهد نفسه بدفع وساوسه وخطراته ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
قال تعالى : أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ .
وقد شرع الله عز وجل لنا أن نتحصن من شر شياطين الجن وبين لنا الطرق التي يحمي المسلم بها نفسه وعياله من أذاهم , فمن ذلك :
- ان يتجنب الإنسان التعري إلا لحاجة وأن يذكر اسم الله قبل ذلك فعن عَنْ عَلِيِّ ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم قَالَ سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ
إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الْخَلاءَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ . رواه الترمذي وحسنه الالباني.
- قراءة آية الكرسي قبل النوم مما يبعد الشياطين عن المسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام
فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص الحديث فقال إذا أويت
إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ,
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدقك وهو كذوب ذاك شيطان . رواه البخاري
- قراءة آخر آيتين من سورة البقرة , قال النبي صلى الله عليه وسلم :من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه . رواه البخاري , ذكر ابن حجر رحمه الله في معنى قوله ( كفتاه ) : وقيل : معناه : كفتاه كل سوء ، وقيل : كفتاه شر الشيطان ، وقيل : دفعتا عنه شر الإنس والجن.
- المحافظة على أذكار الصباح والمساء ومنها : من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء
قدير . في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه
مائة سيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت
أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه . رواه البخاري
- رقية الأولاد وتحصينهم فعن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول : " إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ " رواه البخاري
إغلاق أبواب المنازل و إيكاء السقاء وتغطية الإناء ,فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهبت ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا .رواه البخاري وغيره , وقال صلى الله عليه وسلم: غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب وأطفئوا السراج فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح بابا ولا يكشف إناء فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكر اسم الله فليفعل فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم . رواه مسلم
الجن لا يجوز دعاءهم ولا الاستعانة بهم ولا الاستغاثة بهم من دون الله ومن فعله فقد وقع في الشرك الاكبر والعياذ بالله.
قال شيخ الإسلام الإمام ابن باز رحمه الله :
فالدعاء والاستعانة والتعوذ يكون بالله وحده سبحانه وتعالى، لا بالناس ولا بالجن ولا بالملائكة ولا بالأنبياء، كما قال سبحانه: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا, وقال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ, وقال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ, والاستعانة بالله، قال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
فلا يجوز لأحد أن يستعين بالجن، ولا أن يدعوهم ولا أن يستغيث بهم، كأن يقول: يا كذا، أو يا كذا، أغثني أو انصرني، من الجن، أو من الأموات، أو من الأنبياء، أو من الملائكة، كل هذا لا يجوز.
والله ذم من فعل ذلك فقال: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا. أي زادوهم طغياناً وضلالاً، أو زادوهم شرًّا إلى شرهم بسبب دعائهم إياهم.
فالمقصود أن الدعاء والاستعاذة والاستغاثة والاستعانة كلها بالله وحده، فلا يجوز أن يستعان بالجن ولا يستعاذ بهم ولا يُدعوا مع الله، كأن يقول: يا جن خذوه، أو: يا شيطان فلان –يسميه- افعل كذا أو افعل كذا، أو انصرني على كذا، أو أعذني من كذا، أو عاونّي على كذا، كل هذا لا يجوز بل هذا من الشرك الأكبر.
وكذلك ما يفعله بعض الجهلة عند الأموات، يقول: يا سيدي البدوي افعل كذا، يا سيدي البدوي أو يا سيدي الحسين أنا في جوارك، أنا في حسبك، انصرني أو ارحمني أو اشف مريضي، كل هذا من الشرك الأكبر.
وهكذا لو قال هذا مع غير هؤلاء، كأن يقول: يا رسول الله انصرني، أو يا رسول الله اشف مريضي، أو يا رسول الله أغثني، كل هذا من الشرك الأكبر؛ لأن الميت إذا ما ت انقطع عمله، فليس له تصرف، لا الأنبياء ولا غيرهم، فلا يجوز دعاء الأنبياء، ولا الاستغاثة بهم، ولا النذر لهم ولا الذبح لهم، بل هذا من أعمال الجاهلية، ومن الشرك بالله سبحانه وتعالى، فالواجب على جميع المسلمين وعلى من يرغب في الإسلام أن يحذر هذه الأمور وأن يبتعد عنها، وأن يخلص لله العبادة.
وهذا هو معنى: لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حقٌ إلا الله، فالله الذي يُدعى ويُرجى ويُستعان به ويستغاث، ويُتقرَّب إليه بالنذور والذبائح لا غيره، فالذين يتقربون بالذبائح أو بالنذور للأموات أو للجن أو للملائكة، أو يستعينون بهم، أو يسألونهم قضاء الحاجات أو تفريج الكروب أو النصر على الأعداء أو شفاء المرضى، كله شرك بالله، سواء مع الجن أو مع الأموات كالبدوي وغيره، أو مع الملائكة أو مع الرسل، وأفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، كل هذا لا يجوز.
بل يدعو ربه وحده، يا رب هب لي كذا، يا رب انصرني، يا رب اشف مريضي، يا رب أغثني، يا رب عافني، يسأل ربه جل وعلا، كما قال تعالى: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا. وقال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ. فلا يُدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا به سبحانه وتعالى.
وهذه أمور نشأ عليها بعض الناس واعتادوها تبعاً لأسلافهم، وقد غلطوا في ذلك، والله سبحانه بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم يبين للناس أن العبادة حق الله، وأنه لا يدعى مع الله أحد سبحانه وتعالى.
فالواجب على العاقل أن ينتبه لهذا الأمر، وأن ينصح من ابتلي بهذا الشيء، وأن يّذكرهم أن هذا منكر وشرك من أعمال الجاهلية، والله المستعان.
وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد
والحمد لله رب العالمين
بندر بن محمد الميموني