بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد
فقد قرأت كما قرأ غيري من عباد الله مقالة في جريدة الوطن بتاريخ ٢٥ / ٨ / ٢٠١٣ للشيخ عدنان عبدالقادر -وفقه الله لهداه- جاء فيه بتقريرات وشروط حول ولاية المتغلب في الإسلام ،فتذكرت قول الله تعالى : " إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير" ، قال ابن القيم رحمه الله: وهكذا تجد كل مجادل في نصوص الوحي إنما يحمله على ذلك كبر في صدره ما هو ببالغه.مختصر الصواعق ١/ ١٢٦
فالناظر في هذه المقالة ليعلم أنه لم يوفق فيها للصواب ولم يهتدى فيها إلى حسن الجواب ،بل ولا أعلم أحدا سبقه إلى شروطه الستة التى ذكرها والتي لم يأت بها بدليل!! ،وأما ما نقله من كلام لأهل العلم كشيخ الاسلام وغيره فإنهم لم يعتبروا ما اعتبره ولا اشترطوا هذه الشروط الستة وإنما هي من بنيات أفكاره ومن مخترعات أفهامه التي عودنا عليها في شذوذ اختياراته وإن تعجب فعجب من إتيانه بأمثلة ما أنزل الله بها من سلطان ولم يقل بها أحد فيما أعلم بل ولم تخطر على بال خصومه كقوله أن القول بولاية المتغلب يلزم منه ويراد به الدعوة للانقلاب على حكامنا في الخليج !!! ،ولا أعلم أحد من أهل العلم السلفيين قال بهذا فليته سمى لنا القائل به!! ،وما أظن هذا إلا من ضعف الحجة والبرهان لدى صاحب الدعوة حتى نزل به الأمر باسلوب أقل ما يقال عنه أنه خلي من أخلاق أهل العلم وهدي أهل الفضل وكأنه يستعدي ولاة أمرنا على من خالفه !!
ويا لله ما أشبه اليوم بالبارحة فقد كانت هذه من طرائق أهل الباطل والبغي في إيغار صدور ولاة الأمر على أهل السنة كما فعلت المعتزلة بالامام أحمد وكما فعلت الأشاعرة بشيخ الإسلام ابن تيمية وكما فعل القبوريون بشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ،ولكل قوم وارث!!!
وليعلم أن لازم المذهب ليس بمذهب كما قرر هذا المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية فقد قال رحمه الله: فالصواب أن مذهب الإنسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذباً عليه. ( م ج ٢٠/ ٢١٧)
لكن هذا من تشغيبه وتشويشه على الناس "وما ربك بغافل عما يعملون"
ولا أدري أيعلم عدنان عبدالقادر أن الذين يحذرون الناس ويبينون لهم منهج وطريقة الحزبيين والحركيين من الجماعات الاسلامية المبتدعة الذين يهيجون الناس على ولاة الأمر ويدعونهم للمظاهرات والاعتصامات والمسيرات المبتدعة وبعضهم يدعو للخروح عليهم صُراحة وما أحلام الربيع العربي عنا ببعيد ،إنما هم أهل السنة السلفيون الذين يدعون الناس لطاعة ولاة الأمر والصبر عليهم وعدم نزع يد الطاعة مقتدين بالكتاب والسنة وهدي السلف في ذلك ،
لكن الله هو حسبنا ونعم الوكيل والله الموعد على هذه الفرية!!!
وأما الكلام على حكم ولاية المتغلب فإن أهل العلم لم يشترطوا لها كل هذه الشروط ولا نصفها بل غاية ما هنالك أن يكون له شوكة يعجز معها عنه خصمه فيغلب عليه ، وقد قال ابن عمر رضي الله عنه : لا أقاتل في فتنة وأصلي خلف من غلب. (الطبقات الكبرى ٤ /١٤٩) ولم يشترط شروطاً ستة!! ،ثم هو لم يأت بدليل واحد لا من الكتاب لا من السنة ،ولا نقل اجماعاً (وقد ادعاه )عن عالم من العلماء على هذه الشروط!!!
ومن المفارقات والعجائب أن عدنان عبدالقادر لم يرد على شيخه المفتون بصناديق الديمقراطية الذي يرى جواز ولاية العلماني والنصراني المتغلب على المسلمين بصناديق الديموقراطية ويعترض على من يرى جواز ولاية المسلم المتغلب بسلطانه وقهره والذي جرى عليه عمل المسلمين من القرن الأول!!،وقد بين العلماء ونصوا على إمامته حقنا لدماء المسلمين وإخمادا للفتن بينهم ،قال ابن حجر رحمه الله عند شرحه لحديث:"اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبه" :وأما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة فإن طاعته تجب إخماداً للفتنة ما لم يأمر بمعصية. الفتح ١٣/ ١٣١
وقال النووي رحمه الله : وتتصور إمارة العبد إذا ولاه بعض الإئمة أو تغلب على البلاد بشوكته وأتباعه ولا يجوز عقد الولاية له مع الاختيار بل شرطها الحرية.
شرح مسلم ٦ /٤٥٩
وجاء في متن شرح المنهاج في الفقة الشافعي: (وتنعقد الإمامة بالبيعة والأصح بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم ...وباستيلاء جامع الشروط . قال في الشرح : بالقهر والشوكة لتنعقد الإمامة به أيضاً لينتظم شمل المسلمين. ٦ / ٤٠٣
قال الإمام الدهلوي : تنعقد الخلافة بوجوه :... أو باستيلاء رجل جامع للشروط ،على الناس وتسلطه عليهم كسائر الخلفاء بعد خلافة النبوة ، ثم إن استولى من لم يجمع الشروط لا ينبغي أن يبادر إلى مخالفته لأن خلعه لا يتصور غالباً إلا بحروب ومضايقات وفيها مفسدة أشد مما يرجى من المصلحة.
حجة الله البالغة ٢ /٣٩٨-٣٩٩
وجاء في شرح خليل بن اسحاق المالكي لمحمد الأمين بن أحمد زيدان الشنقيطي:
وتثبت أيضاً بعهد الإمام الذي قبله له وبتغلبه على الناس لأن من اشتدت وطأته على الناس وجبت طاعته وحينئذ فلا يشترط فيه شرط.
٦/ ١٣٣
وقال المرداوي : فمن ثبتت إمامته بإجماع أو نص أو باجتهاد أو بنص من قبله عليه وبخبر متعين لها ، حرم قتاله ،وكذا لو قهر الناس بسيفه حتى أذعنوا له ودعوه إماماً. الانصاف مع الشرح الكبير ٢٧ /٥٥
قال ابن قدامة: ولو خرج رجل على الإمام فقهره وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له وأذعنوا بطاعته وبايعوه صار إماماً يحرم قتاله والخروج عليه. المغني ١٢/ ٢٤٣
وقال الإمام أحمد: ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً براً كان أو فاجراً .طبقات الحنابلة ٢/ ١٧١
قال الإمام عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ ( ت ١٢٩٣هـ) :
فتلطف الشيطان في إدخال هذه المكيدة ونصب لها حججا ومقدمات وأوهم أن طاعة بعض المتغلبين فيما أمر الله به ورسوله من واجبات الإيمان وفيما فيه دفع عن الإسلام وحماية لحوزته ،لا تجب والحالة هذه ولا تشرع!!
ولم يدر هؤلاء المفتونين ، أن أكثر ولاة أهل الاسلام من عهد يزيد بن معاوية -حاشا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله-ومن شاء الله من بني أمية قد وقع منهم ما وقع من الجرأة والحوادث العظام والخروج والفساد في ولاية أهل الاسلام ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام والسادة العظام معهم معروفة مشهورة ،لا ينزعون يداً من طاعة فيما أمرالله به ورسوله من شرائع الاسلام وواجبات الدين .
وأضرب لك مثلاً بالحجاج بن يوسف الثقفي وقد اشتهر أمره في الأمة بالظلم والغشم والإسراف في سفك الدماء وانتهاك حرمات الله وقتل من قتل من سادة الأمة كسعيد بن جبير وحاصر ابن الزبير وقد عاذ بالحرم الشريف واستباح الحرمة وقتل ابن الزبير مع أن ابن الزبير قد أعطاه الطاعة وبايعه أهل مكة والمدينة واليمن وأكثر سواد العراق والحجاج نائب عن مروان ثم عن ولده عبدالملك ولم يعهد أحد إلى مروان ولم يبايعه أهل الحل والعقد ، ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم في طاعته والانقياد له فيما تسوغ طاعته فيه من أركان الاسلام وواجباته.
وكان ابن عمر ومن أدرك الحجاج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينازعونه ولا يمتنعون من طاعته فيما يقوم ويكمل به الايمان وكذلك ، من في زمنه من التابعين كابن المسيب والحسن البصري وابن سيرين وابراهيم التيمي وأشباههم من سادات الأمة .واستمر العمل على هذا بين علماء الأمة من سادات الأمة وأئمتها ،يأمرون بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيله مع كل إمام بر وفاجر كما هو معروف في كتب أصول الدين والعقائد.
وكذلك بنو العباس استولوا على بلاد المسلمين قهراً بالسيف لم يساعدهم أحد من أهل العلم والدين وقتلواخلقاً كثيراً وجماً غفيراً من بني أمية وأمرائهم ونوابهم وقتلوا ابن هبيرة أمير العراق وقتلوا الخليفة مروان حتى نقل أن السفاح قتل في يوم واحد نحو الثمانين من بني أمية ووضع الفرش على جثثهم وجلس عليها ودعا بالمطاعم والمشارب ومع ذلك فسيرة الأئمة كالأوزاعي ومالك والزهري والليث بن سعد وعطاء بن أبي رباح مع هؤلاء الملوك لا تخفى على من له أدنى مشاركة في العلم والإطلاع .
والطبقة الثانية من أهل العلم كأحمد بن حنبل ومحمد بن اسماعيل ومحمد بن ادريس ومحمد بن نوح واسحاق بن راهوية وإخوانهم وقع في عصرهم من الملوك ما وقع من البدع العظام وإنكار الصفات ودعوا الى ذلك وامتحنوا فيه وقتل من قتل كمحمد بن نصر ومع ذلك فلا يعلم أن أحدا ً منهم نزع يداً من طاعته ولا رأى الخروج عليه.
عيون المسائل ٢ / ٨٧٥ - ٨٧٩
والله الهادي إلى سواء السبيل
والحمد لله رب العالمين
كتبه/ بندر بن محمد الميموني
أن يكونا مُتغلِّبين، بأن يقوم أحدُهما على الآخر، هذا الآخرُ تغلَّب على غيره، واستتبَّ له المُلك. فقد قال فقيه الشافعية، ابنُ أبي الخير العمراني، في كتابه الانتصار: "فقام رجلٌ له شوكة، وفيه شروط الإمامة فقهر الناس بالغلبة، فأقام فيهم الحقَّ، فإن إمامتَه تَثبت، وتجب طاعتُه، والدخولُ تحت حكمه؛ لأن المقصود قد حصل بقيامه، إلا إن قَهرَه مَن هو بمثل صفته، وصارت له الشوكةُ والغلبة، فإن الأول يُخلع، ويصير الثاني أولى بالطاعة
ردحذف