الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
وبعد،،،
فقد اطلعت على مقطع لأحد دكاترة القانون ( الوضعي) تكلم فيه بلغة عوام الناس عرض فيه بعض التساؤلات والإعتراضات ونشر فيه بعض الشبة التي تلقفها بعض الجهلة ،ولولا انتشار هذا المقطع بين الناس لما تكلفت الرد عليه ،لذا فإن لي معه وقفات:
الوقفة الأولى
قال دكتور القانون الوضعي " العبارة حسستني فنياً أنه مو عارف في تخصصه"
اعلم رحمني الله وإياك أن الحكم على الأشخاص لا يكون بالأحاسيس والعواطف والأهواء بل بعرض أقوالهم وأفعالهم على كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف فمن وافقهم قبل ومن خالفهم رد عليه كائنا من كان كما قال الله تعالى " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" وقال النبي صلى الله عليه وسلم" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم أي مردود على صاحبه.
الوقفة الثانية
قال دكتور القانون الوضعي " ما توهم الناس الأزياء وتقصير دشداشتك ما يعني ..." .
نعم هذا فيه شيء من الحق فإن تقصير الإزار وهو من الواجبات التي أمرنا بها نبينا ونهانا عن ضدها كما قال " ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار" رواه البخاري، فليس هو دليل على علم الرجل ولا على أهليته للفتوى والكلام في دين الله، وكذلك لا يوهم الناس الألقاب التي وضعت أمام أسماء كثير من الأشخاص في هذا الزمان ( دكتور، خبير قانوني، خبير دستوري ) فهي لا تزيد الإنسان علماً ولا تقوى وليست هي معيار للحق وقبوله
أسماء مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
وأكثرها لا يسمن ولا يغني من جوع بل إن بعضها أصبح وسيلة للكسب المادي أعظم من كونها وسيلة لنشر العلم النافع .
والله المستعان
الوقفة الثالثة
قال دكتور القانون الوضعي " الخوارج الذي أعلم يخرجون بالسيف ،بالقوة بهدف نزع السلطة ..."
أقول : علمت شيئاً وفاتتك أشياء وكما قيل "من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب " أو ما علمت أن الخوارج من الفرق التي ظهرت في صدر الإسلام وانقسمت إلى طوائف متعدده فمنهم الحرورية والأزارقة والإباضية [ انظر الملل والنحل للشهرستاني] ومنهم القعدية وهم من يزين للناس الإعتراض على "السلطة" ولاة أمر المسلمين والخروج عليهم وإثارة الفتن حتى تسفك الدماء وتنتهك الأعراض وهم قعود في أماكنهم و "دواوينهم " عن طريق الخطب والمحاضرات والندوات!!!
قال ابن حجر في ترجمة عمران بن حطان : والقعد الخوارج كانوا لا يرون الحرب بل ينكرون على أمراء الجور حسب الطاقة ويدعون إلى رأيهم ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه.تهذيب التهذيب
لهذا فإن الخوارج القعدية وسيلتهم للخروج على ولاة أمر المسلمين هو الكلمة ، والكلمة سلاح فتاك يهزم النفوس قبل أن تهزم الجيوش
وجرح السيف تدمله فيبرى
ويبقى الدهر ما جرح اللسان
ولذا كان الخروج بالكلام من أخطر أنواع الخروج بل هو المهيج للخروج بالسيف والمحرك له
فإن النار بالعودين تذكى
وإن الحرب أولها كلام
لقد كان أول خروج في الإسلام بالكلام فهذا ذو الخويصرة التميمي يزعم كذباً أنه يطالب بحقوقه فيقول لنبينا " يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ " فيرد عليه صلى الله عليه وسلم : " وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ " رواه مسلم
وكذلك الخوارج الذين خرجوا على الخليفة الراشد الشهيد عثمان رضي الله عنه حتى قتلوه مظلوماً ذلك من أجل المطالبة بالحقوق المالية والسياسية زعموا كان مبدأ خروجهم بالكلام ، ثم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه فعلوا الشيء نفسه .وهكذا دواليك أولها المطالبة بالحقوق بالكلام ثم النهاية سفك للدماء وهتك للأعراض وانقطاع للسبل وانعدام للأمن.
قال ابن عثيمين: وهذا أكبر دليل على أن الخروج على الإمام يكون بالسيف ويكون بالقول والكلام.( التعليق على رسالة "رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين" الشريط : ٢/أ )
قال الشيخ صالح الفوزان: الخروج على الأئمة يكون بالخروج عليهم بالسيف، وهذا أشد الخروج، ويكون بالكلام: بسبِّهم، وشتمهم، والكلام فيهم في المجالس، وعلى المنابر، هذا يهيِّج الناس ويحثهم على الخروج على ولي الأمر، ويُنَقِّص قدر الولاة عندهم، هذا خروج، فالكلام خروج، نعم. [ الموقع الرسمي (صور الخروج على الأئمة)]
الوقفة الرابعة
قال دكتور القانون الوضعي: " الأمر الآخر، أن المبشرون بالجنة خُطِّئوا"
أقول : يا هذا، يقول الشاعر:
والدعاوى إن لم تقيموا عليها
بيناتٍ أصحابها أدعياءُ.
فهاتِ لنا بالسند الصحيح المتصل إلى منتهاه أين حصلت هذه التخطئات؟!!
وعلى ماذا كانت؟ ومع من كانت؟
فإن هذا هو مقتضى البيان ومحل الإستدلال على الدليل!.
والمبشرون بالجنة منهم من كان خليفة وأميراً للمؤمنين ومنهم من ولي بعض الإمارات وحصل له بعض التشغيب وكان الحق معه كما حصل لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما ولي الكوفة زمن عمر رضي الله عنه والقصة معروفة ، والمقصود أنه لا بد من ذكر التفصيل في هذا الموضوع والبعد عن الإجمال المخل حتى لا يلبس على الناس ولا يقع الإجتراء على تخطئة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من غير بينة ولا دليل فهذا قدح في مقامهم ومنزلتهم.!!
الوقفة الخامسة
قال دكتور القانون الوضعي: " ما حكم الشرع في هذه الحالة ؟!" ويعني بذلك رد الحكومة لمشروع قانون تطبيق الشريعة ، وهذا هو السؤال الذي أراد أن يحرج به غيره !!
فاعلم وفقنا الله وإياك لمرضاته أن تحكيم شريعة الله لا شك ولا ريب أنه واجب عظيم ومطلب عزيز والتفريط به ذنب ومنكر كبير لكنه ليس على درجة واحدة لهذا بين العلماء حكم من لم يحكم بما أنزل الله قديماً وحديثاً.
قال ابن عباس رضي الله عنه عند قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون": ليس بالكفر الذي يذهبون إليه إنه ليس كفراً ينقل عن الملة... كفر دون كفر. رواه الحاكم . وجاء هذا المعنى عن غير واحد من السلف كعطاء وطاووس وغيرهم ( انظر تفسير ابن جرير)
قال الشنقيطي في أضواء البيان: وعليه فالكفر إما كفر دون كفر وإما أن يكون فعل ذلك مستحلاً له أو قاصداً به جحد أحكام الله وردها مع العلم بها ،وأما من حكم بغير حكم الله وهو عالم أنه مرتكب ذنباً فاعل قبيحاً وإنما حمله ذلك الهوى فهو من سائر عصاة المسلمين.
قال ابن أبي العز الحنفي: وهنا أمر يجب أن يتفطن له وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً فينقل عن الملة وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة ويكون كفراً إما مجازياً وإما كفراً أصغر على القولين المذكورين، وذلك بحسب حال الحاكم ، فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا عاص ويسمى كافراً كفر مجازياً أو كفراً أصغر. شرح الطحاوية ٣٢٤
وإليك كلام شيخ الاسلام في زماننا ابن باز رحمه الله حول هذه المسألة أنقله لك كاملا :
هذا فيه تفصيل: وهو أن يقال من حكم بغير ما أنزل وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما أنزل الله، وأنه خالف الشرع ولكن استباح هذا الأمر ورأى أنه لا حرج عليه في ذلك، وأنه يجوز له أن يحكم بغير شريعة الله فهو كافر كفرا أكبر عند جميع العلماء، كالحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها الرجال من النصارى أو اليهود أو غيرهم ممن زعم أنه يجوز الحكم بها، أو زعم أنها أفضل من حكم الله، أو زعم أنها تساوي حكم الله، وأن الإنسان مخير إن شاء حكم بالقرآن والسنة وإن شاء حكم بالقوانين الوضعية. من اعتقد هذا كفر بإجماع العلماء كما تقدم.
أما من حكم بغير ما أنزل الله لهوى أو لحظ عاجل وهو يعلم أنه عاص لله ولرسوله، وأنه فعل منكرا عظيما، وأن الواجب عليه الحكم بشرع الله فإنه لا يكفر بذلك الكفر الأكبر لكنه قد أتى منكرا عظيما ومعصية كبيرة وكفرا أصغر كما قال ذلك ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أهل العلم، وقد ارتكب بذلك كفرا دون كفر وظلما دون ظلم، وفسقا دون فسق، وليس هو الكفر الأكبر، وهذا قول أهل السنة والجماعة، وقد قال الله سبحانه: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ[1]، وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[2]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[3]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[4]، وقال عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[5] وقال عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[6] فحكم الله هو أحسن الأحكام، وهو الواجب الاتباع وبه صلاح الأمة وسعادتها في العاجل والآجل وصلاح العالم كله ولكن أكثر الخلق في غفلة عن هذا. والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.( موقع الشيخ ابن باز الرسمي)
وبهذا يتبن رد أهل العلم أهل السنة والجماعة على استفسار دكتور القانون الوضعي فيما أشكل عليه والحمد لله
وأخيراً كما أن لدكتور القانون الوضعي حق السؤال وله علينا واجب الجواب ، فكذلك لنا عليه حق السؤال وعليه رد الجواب، فنسأل :
ما حكم من يتعلم القانون الوضعي المخالف لما أنزل الله من الأحكام الشرعية على نبينا صلى الله عليه وسلم ويعلمه لغيره جيلاً بعد جيل بل وينادي بتطبيقه بأعلى صوته وينافح عنه ويغضب إذا انتهك أعظم مما يغضب إذا انتهكت شريعة الله ويرفع عقيرته ب" إلا الدستور" وقد يلحقه الأذى في سبيل ذلك وكل هذا نصرة لهذا القانون الوضعي المخالف لما أنزل الله؟!!!!
فنحن بانتظار الجواب والله الموفق للصواب
نسأل الله أن يبصر المسلمين في دينهم وأن يوفقنا لصواب القول والعمل إنه سميع مجيب
والحمد لله رب العالمين
كتبه/ بندر بن محمد الميموني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق