بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فإن الله سبحانه وتعالى قد أعطى نبينا صلى الله عليه وسلم من الأمور التي اختصه بها عن سائر الخلائق وما ذاك إلا لعلو مكانته وشريف منزلته وعظيم قدره عنده سبحانه وتعالى ،فعلى المسلم المحب لنبيه أن يعرف هذه الخصائص والميزات فإن في معرفتها فوائد عظيمة ،منها نشر فضائله وكريم خصاله بين الناس ليعلم منزلة هذا النبي الكريم عند الله عز وجل ،ومنها أن يزداد المؤمن محبةً له وإيماناً به وليستقر في قلبه تعظيمه وتوقيره ،ومنها ذب الكذب عنه وعن سنته فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. رواه البخاري ،فإن إدعاء أن له خصيصة ما خصه الله بها هو من أعظم الكذب والإفتراء عليه فالخصائص لا تثبت إلا بدليل شرعي، وقد ادعى أقوام خصائص للنبي صلى الله عليه وسلم من غير دليل فوقعوا في المحظور وسقطوا في الممنوع والحامل لهم هو الغلو به والإطراء له الإطراء الممنوع بدعوى محبته وقد قال صلى الله عليه وسلم : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبدالله ورسوله. رواه البخاري ،وحقيقة محبته هو اتباع سنته ولزوم هديه واقتفاء أثره والعمل بشريعته من غير جفاء له ولا غلو فيه.
الخصائص لغة : جمع خصيصة وخَصوصية، قال في لسان العرب: خصه بالشيء يخصه خصاً ،ثم قال : واختصه :أي أفرده دون غيره.
فالخصائص: هي ما ميز الله به نبيه صلى الله عليه وسلم عن سائر الخلائق بالفضائل والأحكام على وجه التكريم والتعظيم.[ انظر: خصائص المصطفى بين الغلو والجفا ]
فالله عز وجل قد اختص نبينا صلى الله عليه وسلم بجملة من هذه الخصائص في الدنيا والآخرة نذكر بعضاً منها:
١-وجوب محبته أعظم من محبة غيره، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين." رواه مسلم.
٢-عصمته من الناس فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بأذى ، قال تعالى " والله يعصمك من الناس".
٣-الكذب عليه ليس كالكذب على سائر الناس قال صلى الله عليه وسلم:" إن كذباً علي ليس ككذب على أحد ،من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " رواه البخاري.
٤-من رآه في المنام فقد رآه إذا كان عالماً بصفاته الخلقية عارفاً بها قال صلى الله عليه وسلم:" من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي" رواه البخاري.
٥-إسلام قرينه من الجن ،قال صلى الله عليه وسلم:ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ،قالوا : وإياك يا رسول الله؟ ،قال:وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير. رواه مسلم.
٦-التبرك به وبآثاره ووضوءه وعرقه وشعره ونخامته كما كان أصحابه يفعلون معه ذلك ولكن هذا الأمر خاص به ولا يتعدى لغيره من الناس مهما بلغ في الطاعة والعلم والصلاح فلا يتبرك بالصالحين لا أحياء ولا أموات لأمور ،منها أن قياس غيره عليه قياس باطل فمرتبة نبينا ومكانته وفضله لا يبلغها أحد من الخلق مهما كان ،ومنها وأن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك مع بعضهم البعض فلم يتبركوا بأبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم ، وقد قال الإمام مالك : ما لم يكن يومئذٍ ديناً فلن يكون اليوم ديناً. وهذه الكلمة العظيمة من الإمام مالك صالحة لكل زمان يأتي بعده وقد قيل :الخير في اتباع من سلف والشر في ابتداع من خلف.
٧-رفع الصوت والجهر به في حضرته سبب لحبوط العمل والخسران، قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون".
٨-قال صلى الله عليه وسلم :" تنام عيني ولا ينام قلبي" رواه البخاري.
٩-نساءه حرام على الأمة بعد موته على الأبد وهن أمهات للمؤمنين، قال تعالى " ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا" وقال تعالى " وأزواجه أمهاتهم".
١٠-اختصاصه بالمعجزة الكبرى والآية العظمى القرآن العظيم كلام الله المنزل من عنده سبحانه وتعالى قال تعالى " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ".
١١-نهي الأمة عن نداءه باسمه المجرد بخلاف سائر الأنبياء فقد كان أقوامهم ينادنهم بأسماءهم المجردة " إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم..." الآية ،وأما في حق نبينا فقد قال الله تعالى " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " وهذا من التأدب في مخاطبته صلى الله عليه وسلم .
١٢-الله عز وجل من تكريمه وتفضيله له لم يخاطبه في القرآن باسمه المجرد بل قال في حقه " يا أيها الرسول " " يا أيها النبي " " يا أيها المزمل " "يا أيها المدثر"، بخلاف سائر الأنبياء قال تعالى مخاطباً إياهم " يا آدم " " يا ابراهيم " إلى غير ذلك.
١٣-قال صلى الله عليه وسلم :"أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر ،وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ،وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ،وأعطيت الشفاعة ،وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"
قال تعالى " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا" قال القرطبي: المراد بالعالمين هنا الإنس والجن .
١٤-تحريم الصدقة عليه وعلى آل بيته ، قال صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنه: أما علمت أنا لا نأكل الصدقة. رواه مسلم.
١٥-تحريم الخط والشعر عليه ، قال تعالى
" ولا تخطه بيمينك " ،وقال تعالى " وما علمناه الشعر وما ينبغي له ".
١٦-يحرم ميراثه ،قال صلى الله عليه وسلم " إنا لا نورث ما تركناه صدقة " رواه البخاري.
١٧-اختصاصه بالنكاح بأكثر من أربع نسوة.
١٨-يجوز للمرأة أن تهب نفسها له فيتزوجها بلا مهر ،قال تعالى " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة من دون المؤمنين " .
١٩-أنه سيد الناس يوم القيامة ويفتح له من المحامد يوم القيامة مالا يفتحه على غيره، قال صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد الناس يوم القيامة ...فآتي العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي" متفق عليه.
٢٠-أول من تنشق عنه الأرض بعد البعث.
٢١-بيده لواء الحمد يوم القيامة.
٢٢-أول من يدخل الجنة.
قال صلى الله عنه وسلم: إني لأول من تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر ،وأعطى لواء الحمد ولا فخر وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يدخل الجنة ولا فخر" رواه أحمد وحسنه الألباني.
٢٣-اختصاصه بالشفاعة العظمى وهي المقام المحمود الذي وعده الله عز وجل إياه ،قال تعالى " عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا"
وقد جاءت أحاديث إثبات الشفاعة لنبينا كثيرة مستفيضة رواها أهل الحديث ومنها ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاً ،كل أمة تتبع نبيها ،يقولون يا فلان اشفع ،حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.
جثا :أي جلوسا على الركب ومنه قوله تعالى " ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا"
٢٤-أنه أكثر الأنبياء تابعاً يوم القيامة
٢٥-أول من يقرع باب الجنة،
قال صلى الله عليه وسلم : أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة " رواه مسلم.
٢٦-أول من يجوز الصراط ،قال صلى الله عليه وسلم : فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم
فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته. رواه البخاري.
٢٧-اختصه الله بالكوثر ،قال تعالى" إنا أعطيناك الكوثر " قالت عائشة رضي الله عنها: هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم.رواه البخاري.
٢٨-منزله في أعلى الجنة ،قال صلى الله عليه وسلم في حديث الترديد بعد الأذان : ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له شفاعتي. رواه مسلم.
هذه جملة لبعض ما اختص الله سبحانه وتعالى به نبينا صلى الله عليه وسلم من الفضائل والمكارم وهي كثيرة جداً والمقصود التذكير بها والتنبيه عليها ليكون المسلم على علم ودراية ومعرفة تامة بنبيه وما له من هذه الميزات العظيمة ليزداد بها محبةً وتعظيماً وتوقيراً له ،فمن كانت هذه بعض شمائله وخصائصه فالمسلم حري أن يعظمه ويجله وأن يتعلم شيئاً من سيرته وهديه ويسعى جاداً بالتأسي به فقد قال تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" وقال تعالى " ولتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه "والتعزير هو التعظيم والتوقير هو الإحترام ،وليس المقصود من هذا الحصر فإن ذلك مبسوط في كتب الخصائص والدلائل والله الموفق للصواب وهو الهادي إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين.
بندر بن محمد الميموني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق